الحياة جميلة ومبهجة عندما نصنعها في مخيلتنا ونعيش واقعها كما نريد. كانت هذة الجملة إحدى الجمل المحببة لدى سعد، الشاب اللطيف جدًا، دائم الإبتسامة والسرور، ناشر البهجة في كل مكان يذهب إليه، ما شاء الله لاقوة الا بالله اسم على مسمى. كان مميز فعلا ليس فقط بشخصيته، بل بذكاؤه أيضًا فعندما أكمل عامه الثاني بعد العشرين وحصل على شهادة البكالوريوس، انتقل للدراسة بالخارج ومن هنا بدأ كل شيء يأخذ منحنى أخر أثّر على حياة سعد كليًا، كل شيء تغير وانقلب رأسًا على عقب عند سكنه مع تلك العائلة الأجنبية، تلك العائلة المكونة من ثلاثة أفراد رابعهم العنصرية! .
العنصرية هي فكرة أو معتقد يميز في المجتمعات، يفضل فئة عن أخرى، بل ويتيح الحق للفئة الأعلى تصنيفًا التحكم بالأقل وفرض الرأي عليهم!؛ وذلك لأسباب يعتقد العنصري أنها تقلل من شأن البعض. وهي لا تأخذ شكل العنصرية في العرق ولون البشرة فقط كما يظن البعض، فالعنصرية قد تكون في الثقافات المختلفة، في القبائل والجماعات المختلفة، وأيضًا في الطبقية المجتمعية. عندما تقسم المجتمع لعدة طبقات لأي سبب وتعامل كل فئة بطريقة مختلفة فأنت عنصري، عندما ترفض أي متقدم لإبنتك من خارج قبيلنك فقط لأنه من خارجها أنت عنصري، عندما تزدري شخص ما لثقافته ومرجعه أنت عنصري يا أخي. إلى متى سنستمر بهذة الأفة المقيتة التي وُصفت بالجهل في عصر الجاهلية؟.
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام ( الناس سواسية كأسنان المشط )، وفي حديث أخر ( كلكم بنو آدم وآدم من تراب)، والله عز وجل يقول ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )، أبعد كل ما علمنا إياه ديننا لا نزال نفرّق ونقسّم في المجتمعات وكأننا لم نتلقى شيئا ؟! يا عبد، يا أجنبي، قبيلي جاهل، وغيرها من التصنيفات الجاهلة والمؤذية نفسيًا لبشر طبيعيين، بشر مخلوقين من تراب و ينحدرون من سلالة آدم وحواء كالجميع. لم أختر خِلقتي، ولا لون بشرتي، ولا قبيلتي، ولا بلدي، ولست نادما بل راضي كل الرضا ومتعايش مع ما قدّره الله عز وجل لي، انت كذلك لم تختر شيئًا مما سبق والكل على وجه الأرض ولذلك لابد أن نتعلم أن نرضى بما نحن عليه لأن هناك أشياء مهما عملت وبذلت لن تغيرها أبدا، تعلم أن تتقبل.
تقبل واحترم حقيقة أنك لست وحيدًا في هذا العالم، كما أن لك الحق في فعل ماتريد أنا كذلك لي كل الحق بالإضافة لسبعة مليار شخص تقريبًا، لابد من تقوية الوازع الديني والتأكد أن الدين يحثنا على احترام النفس البشرية وعدم سلب حقوقها، الإعلام القوي يجدر به أن يوضّح أضرار هذة الأفة، والدول أيضًا قد تساهم بفرض عقوبات على السلوكيات العنصرية ولكن كل السبل لتقليل الخطر قدر الإمكان تبدأ مني ومنك، كن إنسان يا عزيزي، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، ولا فرق بين أبناء البلد الواحد إلا بمواهبهم وإمكاناتهم المختلفة لمساعدة أوطانهم على النهوض والإزدهار، العنصرية آفة نتنة، تفرقنا لا تجمعنا فلنبتعد عنها، حتى لا تتغلغل فينا وتبعدنا عن بعضنا.
سعد تعرض للعنصرية كثيرًا من العائلة المستضيفة له بداية فترة دراسته للغة، استضافوه فقط من أجل المال بالرغم من أن معاملتهم لا تساوي دولار واحد، عنصريتهم تجاه العرب أرهقت سعد مما دفعه للسكن وحيدًا، كان مريح أكثر ولكن للأسف تأثر كثيرا من معاملة العائلة السابقة، وما إن كاد يتعافى من الصدمة إلا ولحقت به صدمة أخرى! صدمة أثرت على نفسيته أكثر بكثير من الصدمة الحضارية الأولى التي تلقاها بداية بعثته، فعندما انتقل للدراسة بالجامعة تعرض للسب والاستهزاء من بعض الطلبة والمدرسين بشكل متكرر، ووصل الأمر للإعتداء الجسدي ذات مرة. احتاج سعد الى سنين لتخطي ما مر به خلال فترة ابتعاثه، والجميل أنه عند عودته لبلاده لم يصبح محطم ومهزوز وعبوس، تاركًا المجال لعديمي إنسانية بأن يعطلوه أكثر، عندما عاد كان ولايزال واتمنى أن يبقى سعد.
تعليقات
إرسال تعليق