أنوار مغلقة، أوراق مبعثرة، سرير فارغ، هذا ما شاهدته عندما دخلت غرفة أخي سامي، أضأت المصابيح وإذا به جالسًا جلسة اليأس بجانب سريره، جلست بجانبه وأمسكت بكتفه وتحدثت إليه، ولكن قبل أن أخبركم بمشكلته دعوني احدثكم قليلًا عن طبيعة سامي. أخي سامي شاب لطيف، متميز بدراسته، محب للعلم والمعرفة، يملك شخصية قوية وواثقة، ومايعجبني به أنه دائمًا يحب الإستمتاع بالحياة بل ويحث الجميع على ذلك، ولكنني لاحظت أنه وقبل فترة ليست بالقصيرة أصبح يضعف تدريجيًا، يضمر وكأنه ورد لا يسقى جيدًا، بدأت الحياة تسرق ابتسامته شيئًا فشيئًا وتغير نظرته يومًا فيومًا. للجميع تلك الليلة لم تكن متوقعة إطلاقًا، لكنني كنت أترقبها، لأني توقعت قدومها عاجلًا أم آجلًا؛ نظرًا لتدهور الأمور من حوله. مشكلة سامي أنه أصبح مهووساً بالسعادة، أصبح يبحث عنها في كل يوم من أيام عمره، حتى في أشد أيامه سوادًا وهذا مستحيل، صحيح أننا نُحث على الفأل وحسن الظن من ربنا الكريم، ونبيه الحكيم ولكننا بالنهاية بشر ولسنا كالحجر، بأيام يحتوينا الفرح وبأخرى يصيبنا الترح.. هذة هي الحياة يا أخي. ليس من العيب أن نبحث عن السعادة، بل هو مانفعله جميعنا كبشر، ولكن ماهي السعادة من الأساس؟
مفهوم السعادة واسع ومختلف جدًا من شخص لأخر، ولكن الشعور واحد ويُجمع عليه الجميع تقريبًا. السعادة هي ذلك الشعور الجميل جدًا، الشعور الذي يجعلك تحلق بلا أجنحة ودون أدنى تأثير للجاذبية، ترتقي إلى أي مدى تريده وتلامس أي نجم تشاء، أو تغوص لأعماق المحيطات دون الحاجة لأجهزة التنفس، آه كم هو ممتع ذلك الشعور!
السعادة في علم النفس الإيجابي هي ليست المرحلة التي يصل فيها الفرد لأن يكون مبتسم بكل الظروف المفرحة والمحزنة لا لا، بل في رحلة كل شخص لأن يستثمر قدراته ومواهبه في خدمة نفسه ومحيطه؛ مما سيعود عليه بالسرور والشعور بالهدوء والسلام الداخلي.
نأتي الأن للسؤال الذي تجده في كل مكان تقريبًا، عنوان أو مواضيع كتب، حلقة من برنامج إجتماعي، أو بحسابات ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، كيف تصبح سعيدًا؟ هو سؤال مخادع لأنه وكما ذكرت فالسعادة من الأساس تعتمد عليك وعلى تفكيرك وعلى ماتريده في حياتك، وليس على خطوات محددة يتبعها الجميع بحذافيرها. فهناك من يفرح بإعداده لطبق معين بنفسه، وهناك من يستمتع بقراءة الكتب ومحادثة الاصدقاء، أو الاستماع للموسيقى، أو مشاهدة الأفلام والمسلسلات، وهناك من يساوي اجتماعه بأصدقاء عمره بالمقهى المعتاد الحياة ومافيها. ومع ذلك فهناك أمور أساسية يحاول الأغلب تحقيقها والوصول إليها. واحد من أهم الأمور إذا لم يكن الأهم في رحلتك للوصول للسعادة هو الرضا بقضاء الله وقدره، والإيمان التام أن كل مايمر به المرء خير، سواء فُجع بمصيبة كفقدان عزيز، أو جُن فرحًا بقدوم مولوده الأول الذي لطالما انتظره، فرب الخير لا يأتي الا بالخير. ولكن بالتأكيد استقبال الحالتين السابقتين لن يكون بنفس الشعور، لأنك عندها لن تكون انسان طبيعي أبدًا، فرضاك بأمر ربك لايعني اصطناعك للإبتسامة بكل أمور حياتك، لا، بل بحمد وشكر ربك على كل حال، ولابد أن تعطي كل لحظة حقها، ابتسم واحضن من تحب بلا خجل عند الفرح، وابكي وفرّغ عند حزنك فأنت انسان ولك إحساس يميزك عن الجماد. اكتشافك لموهبتك وهواياتك وإمكانيّاتك سيساعدك لأن تصبح سعيد، فعندما تمارس ماتحب وتستثمر مواهبك بما ينفعك وينفع مجتمعك لابد أن تفرح لإنجازك ولمساهمتك بمساعدة من هم حولك.
أيضًا عامل الثقة بالنفس مؤثر بشكل عظيم في سعادة المرء، لابد أن تتقبل ذاتك كما هي وتحبها حب غير مشروط، فلن تعيش حياتك بكامل تفاصيلها سوى برفقة نفسك، فكيف تريد أن تصبح سعيد وأنت لا تثق بقدرتك على إنجاز أمر ما، أو لا تتقبل شكلك أو نمط شخصيتك؟ أمر أخر مهم يقلل من قيمته الأغلب وهو وضعك وتحقيقك لأهدافك السنوية والشهرية والاسبوعية وحتى اليومية، فعندما تحدد أهداف بسيطة لنفسك في اليوم وتحققها بنهايته كقراءة صفحة من القرآن أو المشي لمدة نصف ساعة، أو اسعاد من تحب ولو بكلمة واحدة، فعندها ستشعر بلذة الإنجاز مما سيجعلك تسعد ولو لفترة وجيزة.
نعم لفترة وجيزة لأنك بحال فكرت انك ستسعد بجميع أيام عمرك فأنت مخطيء، فالحياة ليست مدينة أحلام سينمائية تحيك تفاصيلها برغبتك. في حياتك ستنعم بالسعادة على نوعين: هناك أمور تسعدك لفترات وجيزة. كتناول وجبتك المفضلة أو الاستماع لأغنيتك التي صاحبتك بلحظة ساحرة من عمرك. وهناك أمور تسعدك لفترات طويلة وطويلة جدًا ببعض الأحيان وغالبًا يكون موردها الأساسي هو الرغبة الداخلية الملحة التي ناتجها الرضا التام من الشخص نفسه ليكون سعيد، ولكن مهما حصل لن تكون كل الأيام كما تشتهي سفينتك.
ستعصف بك الأمواج، بل وستغرقك بأيام؛ ولكن الجميل أنك ستتمكن من مجابهتها ومقاومتها وتجاوزها. حاول جاهدًا التعايش مع الظروف السيئة، عدّد الايجابيات في كل مايحصل لك، على سبيل المثال أصبت بمرض لا قدر الله ولكنك تتلقى العلاج، فهذا بحد ذاته أمر يدعو للتفاؤل بأنك ستعود لطبيعتك، واذا تعافيت ستعرف جيدًا قيمة الصحة وستعلم معنى أن تكون سعيدًا فقط لأنك معافى وصحتك جيدة، بالطبع لاتحتاج لأن تصاب بأمراض لتدرك ذلك فقط انظر لمن هم حولك وستجد من يعاني من الضغط والسكر وغيرها من الأمراض عافانا الله وإياكم منها. ابذل كل الجهد خاصة في بداية شبابك لمعرفة موهبتك التي ميزك الله بها عن غيرك واشرع بتطويرها وصقلها لتحقق أقصى فائدة ممكنة منها، سواء لمتعتك الشخصية، مساعدة من يحتاج، وغير ذلك. حاول دائمًا أن تكون راضي وقنوع بما تملك، فالقناعة لم تسمى كنز إلا لسبب وجيه وهو لأنها تغنيك عن أمور كثيرة جانبية لاتحتاج أن تحزن لعدم وجودها بحياتك. دائمًا ثق بنفسك وتقبلها كما هي، واجعلها الرقم الواحد بقائمة الإهتمامات، وابتعد كل البعد عن تعليق سعادتك بأحد، لأنه مهما كان قريب منك فهو لن يتواجد معك بكل لحظاتك. ولا أجد أفضل من مقولة أغنيس ريلبير لأختم بها: من الصعب أن نجد السعادة في أنفسنا، لكن من المستحيل أن نجدها في غيرنا.
تعليقات
إرسال تعليق