من هو النرجسي؟ سؤال جميل ومخادع بذات الوقت لأن البعض قد يُعرّف النرجسي بالأناني وهذا الوصف غير دقيق، حيث أن الأنانية صفة من صفات النرجسي في تصنيف علم النفس. النرجسي هو شخص يعاني من اضطراب نفسي، اضطراب يجعله يعتقد أنه محور الكون، أنه الوحيد الذي يجب أن يُقدّم على الكل. النرجسي يرى نفسه أنه مستحق للثناء، والتمييز، والمديح حتى بدون إنجاز أو سبب وجيه، متعجرف في تعامله مع الأخرين، حتى في علاقاته تجده مضطرب، هش، يتظاهر بالثقة ولكنه لايمتلك حتى الحد الأدنى منها، حيث أنه لايقوى حتى على الإعتراف بأخطاؤه، يُحمّل الأخرين المسؤولية دائمًا ولايرى وقوعه بالأخطاء ممكنًا، لايستطيع التعايش إلا مع من يراهم بنفس منزلته المزيفة أساسًا، تجده دائمًا يجعل من هو حوله يظن نفسه عظيم جدًا بالبداية، يرفعه لدرجة الكائن الفضائي ليشعر هو بأنه كائن فضائي، وشيئًا فشيئًا يدرك إنسانية الطرف الأخر، أنه بشر، بِه سلبياته كما بِه إيجابيات، فيبدأ بإلقاء اللوم عليه لأتفه الأسباب، وتعييبه بأي شيء، وتقزيمه، بل وتحميله أخطاء ونواقص لا يد له فيها!
كيف نعرف الشخص النرجسي؟ التعرف على الشخصية النرجسية صعب قليلًا ولايمكن في الغالب إلا لشخص مختص، ولكن هناك بعض الصفات التي يصنفها الدليل التشخيصي للإضطرابات النفسية كمعايير تتواجد بالشخصية النرجسية وهي: الشعور الدائم بالأهمية، بأنه فوق الوصف والتقييم، يعيش وهم النجاحات والإنجازات الغير المسبوقة، يعتقد أنه مميز جدًا، لدرجة لايفهمه إلا المميزين أمثاله، الحاجة الدائمة لأن يكون محط الأنظار والإعجاب دومًا، فقد التعاطف بالإضافة لحسد والشعور بالحسد الدائم من الأخرين، وأيضًا التكبر والتعجرف، واستغلال الأخرين بمختلف الطرق. تواجد خمسة منها على الأقل يعني أن الشخص يعاني من هذا الاضطراب.
نقطة مهمة يجهل تأثيرها الكثير في بناء اضطراب الشخصية النرجسية منذ الصغر، ألا وهي التربية. عندما تُعبّر عن إعجابك بمبالغة بكل صغيرة وكبيرة ينجزها أبناءك، أو توبخ وتعاقب بصورة غير منطقية عند الخطأ، فمن الممكن أن تصيبهم بهذا الاضطراب، عندما لاتكون علاقتك بهم جيدة وتهمشهم ولا تشعرهم بقيمتهم فقد يصيبهم هذا الاضطراب، ويصبحون ضعيفين جدًا ببناء علاقاتهم الاجتماعية من صداقات وعلاقات عاطفية ناجحة.
العلاج لهذا الاضطراب ممكن ولكنه صعب جدًا ومرهق، بل وأن إستمراره مع الشخص إلى وفاته هو الأرجح! على كلٍ يكون بالعلاج النفسي المعرفي، عن طريق الكلام ومحاولة توضيح الأمور شيئًا فشيئًا، ولكن مايهم أكثر هو كيفية تعاملنا مع أصحاب هذة الشخصية المضطربة. في البداية يجب أن نعرف أننا بدورنا لسنا مُعالجين نفسيين ولن نتمكن من معالجته بأنفسنا ولو أمضينا دهرًا نحاول، أفضل طريقة في حال اضطررنا للتعايش والتعامل مع النرجسي هو الحفاظ على مسافة بعلاقتنا معهم، ووضع خطوط بحيث لايستطيع تجاوزها، بالإضافة للتجنب وعدم محاولة مدحه بمبالغة ونفخه أكثر مما ينفخ نفسه. وبالعودة لنقطة العلاج فالزمن كفيل بتقليل الاضطراب، فكلما كبر الشخص عرف حجمه وقدرته، يفهم جيدًا أنه إنسان، مثله مثل سبعة مليار على ذات الكوكب، والأهم أنه سيعي أنه ليس محور الكون، ليس المسمار الأهم في أي جهاز، وإن كان يعتقد أنه مسمار فهو مسمار من قطن، لن يقوى حتى على تثبيت غطاء جهاز تحكم.
تعليقات
إرسال تعليق